




المديح
كان المديح للحكام والكبار والأعيان وكان يمنح الشاعر من المال على قدر جودة شعره وإعجاب الممدوح به.
قـم للمعلـم وفّـه التبـجيــلا كـاد المعلم أن يـكون رســولا - أحمد شوقي. أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلمـاتـي من بـه صمـمً - أبو الطيب المتنبي. إذا رأيت نيـوب الليث بـارزة فـلا تظنن أن الليث يـبتـســم - أبو الطيب المتنبي. مـا أبـعد الغايـات إلا أننـي أجد الثبـات لكـم بـهن كفيـلا - أحمد شوقي. وإنمـا الأمـم الأخلاق مـا بقيـت فإن هم ذهبت أخلاقـهم ذهبــوا - أحمد شوقي. ولد الـهدى فالكائنـات ضيـاء و فم الزمــان تبسـم وثنــاءُ - أحمد شوقي. أيـا مـن بالوفـا قد عودونـي بـحق المصـطفـى لا تـهـجرونـي - موال لرشيد غلام. الأم مـدرسـة إذا أعـددتـهــا أعددت شـعـبــا طيـب الأعـراق - حافظ إبراهيم. ولا خيـر فـي ودّ امرئ متلـوّن إذا الريح مالت مال حيث تميل - الإمام الشافعي. ألذ الحب ما كان استراقا وأعذبه إذا شئت القليل - منصر فلاح. عرف الشاعر العربي الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب، وكان للغساسنة في الشاموالمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديح أمرائهم. ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية:النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدح النعمان بن المنذر، كما يقول أبو عمرو بن العلاء: (وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه.) وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل ورفعة النسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدح المبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد من العطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته من الجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه. وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح، هو مدح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). ومن أوضح نماذجه لاميّة كعب بن زهير "بانت سعاد" التي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه، وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي محمد أيضًا. وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق، بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية. وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين، وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينما تجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهب ومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيدالله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذي يجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم. وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبيلسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلم أبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحم رائعة. وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا. (السيف أصدق إنباء من الكتب) وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي ـ وإن يكن للتكسب ـ لم يكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير من الأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كان المتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ما كان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته. مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاء الرجال في مقاومتهم للصليبيينوالتتاروالمغول. يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًا لذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي الرثاء
كان الرثاء من أهم فنون الشعر العربي، بل انه يتصدرها بصدق الإحساس وعمق الشعور وحرارة التعبير، ومن أشهر شعراءه الخنساء ومن أجمل ما قالت فيه:
<table style="; background-color:transparent; margin:auto auto;"> </table><table style="; background-color:transparent; margin:auto auto;"> <tbody><tr> <td class="main-beyt"> قذًى بعينك أم بالعين عوار</td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">أم ذرَفت أن خلت من أهلها الدار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> كأن دمعي لذكراه إِذا خطرت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">فيض يسيل على الخدين مدرارُ</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> تبكي خناس هي العبرى وقد ولهت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">ودونه من جديد الأرض أستار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> تبكي خناس على صخر وحُقَّ لها</td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt"> إِذ رابها الدهر إنَّ الدهر</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> تبكي خناس فما تنفك ما عمرت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">لها عليه رنين وهي مقتار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> بكاء والهة ضلت أليفتها</td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt"> لها حنينان: إِصغار وإِكبار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> ترعى إِذا نسيت حتى إِذا ادكرت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">فإِنما هي إِقبال وإِدبار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> وإِن صخرًا لتأتم الهداة به </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">كأنه علم في رأسه نار</td></tr></tbody></table>
كان المديح للحكام والكبار والأعيان وكان يمنح الشاعر من المال على قدر جودة شعره وإعجاب الممدوح به.
قـم للمعلـم وفّـه التبـجيــلا كـاد المعلم أن يـكون رســولا - أحمد شوقي. أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلمـاتـي من بـه صمـمً - أبو الطيب المتنبي. إذا رأيت نيـوب الليث بـارزة فـلا تظنن أن الليث يـبتـســم - أبو الطيب المتنبي. مـا أبـعد الغايـات إلا أننـي أجد الثبـات لكـم بـهن كفيـلا - أحمد شوقي. وإنمـا الأمـم الأخلاق مـا بقيـت فإن هم ذهبت أخلاقـهم ذهبــوا - أحمد شوقي. ولد الـهدى فالكائنـات ضيـاء و فم الزمــان تبسـم وثنــاءُ - أحمد شوقي. أيـا مـن بالوفـا قد عودونـي بـحق المصـطفـى لا تـهـجرونـي - موال لرشيد غلام. الأم مـدرسـة إذا أعـددتـهــا أعددت شـعـبــا طيـب الأعـراق - حافظ إبراهيم. ولا خيـر فـي ودّ امرئ متلـوّن إذا الريح مالت مال حيث تميل - الإمام الشافعي. ألذ الحب ما كان استراقا وأعذبه إذا شئت القليل - منصر فلاح. عرف الشاعر العربي الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب، وكان للغساسنة في الشاموالمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديح أمرائهم. ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية:النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدح النعمان بن المنذر، كما يقول أبو عمرو بن العلاء: (وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه.) وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل ورفعة النسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدح المبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد من العطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته من الجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه. وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح، هو مدح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). ومن أوضح نماذجه لاميّة كعب بن زهير "بانت سعاد" التي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه، وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي محمد أيضًا. وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق، بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية. وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين، وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينما تجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهب ومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيدالله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذي يجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم. وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبيلسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلم أبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحم رائعة. وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا. (السيف أصدق إنباء من الكتب) وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي ـ وإن يكن للتكسب ـ لم يكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير من الأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كان المتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ما كان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته. مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاء الرجال في مقاومتهم للصليبيينوالتتاروالمغول. يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًا لذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي الرثاء
كان الرثاء من أهم فنون الشعر العربي، بل انه يتصدرها بصدق الإحساس وعمق الشعور وحرارة التعبير، ومن أشهر شعراءه الخنساء ومن أجمل ما قالت فيه:
<table style="; background-color:transparent; margin:auto auto;"> </table><table style="; background-color:transparent; margin:auto auto;"> <tbody><tr> <td class="main-beyt"> قذًى بعينك أم بالعين عوار</td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">أم ذرَفت أن خلت من أهلها الدار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> كأن دمعي لذكراه إِذا خطرت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">فيض يسيل على الخدين مدرارُ</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> تبكي خناس هي العبرى وقد ولهت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">ودونه من جديد الأرض أستار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> تبكي خناس على صخر وحُقَّ لها</td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt"> إِذ رابها الدهر إنَّ الدهر</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> تبكي خناس فما تنفك ما عمرت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">لها عليه رنين وهي مقتار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> بكاء والهة ضلت أليفتها</td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt"> لها حنينان: إِصغار وإِكبار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> ترعى إِذا نسيت حتى إِذا ادكرت </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">فإِنما هي إِقبال وإِدبار</td> </tr> <tr> <td class="main-beyt"> وإِن صخرًا لتأتم الهداة به </td><td style="width:2em;">
</td><td class="main-beyt">كأنه علم في رأسه نار</td></tr></tbody></table>